بقلم : مارك لوتينيغير
تعيش الجاليّة السودانيّة في سويسرا حالة من اليأس، نتيجة الحرب في السودان. تعمل جمعيّة ناشئة وهي (الجمعية الخيرية السودانية السويسرية ) التي أُسِسَت قبل بضعة أشهر على لفت الانتباه إلى هذه الكارثة الإنسانيّة، وجمع التبرّعات لمساعدة الضحايا. يخوض الجيش الوطني السودانيّ، ضدّ قوات مليشيات الدعم السريع،منذ أكثر من عام، حربًا ألحقت بالمدنيين والمدنيّات أضرارا كبيرة. وقد تسبّبت في نزوح ما لا يقلّ عن 8،5 مليون نسمة، وفرار قرابة مليوني سوداني وسودانية إلى خارج حدود البلاد، إضافةً إلى آلاف النازحين والنازحات يوميّا.
ورغم أنّ هذه الأزمة الإنسانيّة هي الأكبر في العالم، حسب الممثّل السابق للأمم المتّحدة في السودان، فإنّها لم تلق اهتماما كبيرا من أوروبا. « إقبال ضعيف على التبرّع” لم تترك الأحداث في قطاع غزّة وأوكرانيا لوسائل الإعلام مجالا لتغطية أخبار الحرب المشتعلة في ثالث أكبر دولة في إفريقيا.
وقد نبّهت منظمة اليونيسف في سويسرا، على موقعها الإلكتروني، إلى خطورة الوضع في السودان. إذ تبدو الجهود المبذولة من قبل موظّفي الإغاثة وموظّفاتها، والمنظّمات الشريكة، غير كافية، في ظلّ محدوديّة الموارد وعزوف سكان العالم، نساء ورجالا، عن التبرّع، خلافا لما يحدث في حرب أوكرانيا مثلا.
ولم يكن الأمر مفاجئا بالنسبة إلى الواثق الجزولي، السودانيّ البالغ من العمر 57 عاما، المقيم في سويسرا منذ سنوات عديدة، والمُختصّ في تكنولوجيا المعلومات في القطاع المالي. بل يلتمس العذرَ في قوله: “السودان بلدٌ بعيدٌ عن السويسريين والسويسريّات، والوضع هناك معقّد جدّا”. ويعمل الجزولي جادّا، في محيطه السويسريّ،سواء كان في العمل، أو في نادي الجمباز، على مزيد التعريف بحقيقة الوضع في بلده الأصليّ، فيقول: “أنشر خبر فرار والدي البالغ من العمر 90 عاما، وشقيقتيّ من البلاد، واحتلال الميليشيات منزلنا، ووفاة عمّي وعمّتي أثناء فرارهما”.
ينشط الجزولي ضمن الجمعية الخيرية السودانية السويسرية التي تأسست قبل بضعة أشهر. وتقول نجلاء فتحي، عضوة الجمعيّة: “رافق اندلاعَ الحرب العامَ الماضي وعيٌ بضرورة التحرّك”.
فقد نُظِّم حفلٌ خيريّ لجمع التبرّعات من أجل المنظّمات الإنسانية، وصفته نجلاء فتحي قائلةً: “لقد كان ذلك شبيها بالبازار، بحضور الموسيقى، والأطعمة، وبيع المنتجات التقليدية، والقراءات الأدبية، والشعرية”.
وقد قُسّم المبلغ المُجمَّعُ خلال هذا الحدث الخيريّ مناصفةً بين منظّمة الإغاثة الإسلاميّة، ومقرّها جنيف، ومنظّمة سويسرا من أجل مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. UNHCR وستوجّه هذه الجمعية دعمها في المستقبل، إلى النساء والأطفال من الطبقة الفقيرة في السودان، خاصّة. كما تسعى الجمعيّة إلى التبرّع بالمال مباشرةً، إلى المزيد من المنظّمات المحليّة الصغيرة، رغم ما في الأمر من صعوبة، نتيجة سيطرة أطراف الصراع في هذه الأثناء، على أغلب مكوّنات المجتمع.
تعُدّ الجمعيّة حاليّا، أحد عشر عضوا وعضوة، وتُتَوقع زيادةٌ ب 50 فردا بحلول نهاية العام، وهي هيئة تكرّس مبدأ الحياد السياسيّ، ما يضمن تكاتف الجميع وتركيز الجهود على هدف واحد، وتخطّط لتنظيم حدث خيريّ كبير في سبتمبر المقبل.
إنهيار الحلم بسودان جديد
انهيار الحلم بسودان جديد ينعم بالسلام يسعى السودانيون والسودانيات إلى مكافحة اليأس والإحباط عبر الانخراط في الجمعيات.
تقول نجلاء فتحي متأسفة: ” تحزنني كثيرا رؤية السودان منسيّا من قبل وسائل الإعلام الدوليّة”. وقد كان يحظى بمجتمع مدنيّ قويّ ونشط. وتضيف: “بثّت المظاهراتُ الحاشدة عام 2019 فينا الأمَل، نساء ورجالا، وحلمنا، دون جدوى، بسودان جديد ينعم بالسلام، بعد سقوط الدكتاتور عمر البشير”. ترى لماذا يلفّ النسيان هذه الحرب؟ يجيب رومان ديكارت، المحلّل المستقلّ، والخبير في الشأن السوداني، لمدّة 30 عاما، بالقول: “ليست هذه الحرب منسيّة بقدر ما يقع تجاهلها”.
ويعمل ديكارت حاليا من منزله في جنيف لصالح منظمة غير حكومية، في برلين، تهتمّ بدعم الصحافة في السودان، فيقول: “التغطية الإعلاميّة لمحنة السودانيين والسودانيات هامّة، على الأقلّ من أجل المساندة المعنويّة”.
ويُرجع هذا الخبير عزوف وسائل الإعلام عن هذه الحرب، إلى صعوبة تصنيف أطراف النزاع فيها، قائلا: “غالبا ما يعرّف النزاع باعتباره حربا بين جماعتيْن متعاديتيْن تتبادلان الهجومَ مثل الحيوانات”. وهكذا، يفر منها الناس نساء ورجالا.حرب محلية ذات تداعيات عالمية ينفي رومان ديكارت هذه النظرة لما يحدث، في قوله: “لهذه الحرب تداعيات عالمية. فلا يزال الصراع على الموارد الطبيعيّة مستمرّا، منذ فترة طويلة”.
ويضيف قائلا: “تلعب سويسرا دورا هامّا في العلاقات التجارية المُتّصلة بالمواد الخام، كالذهب على سبيل المثال، الذي يُعدّ، مصدرا رئيسيا لتمويل الحرب، في وضع السودان. إذ تفيد تقارير إعلاميّة، بانتظام وصول الذهب من السودان إلى سويسرا عبر الإمارات العربية المتحدة”.
كما يجب أن تهتمّ سويسرا أيضا، بمصير العديد من الفارّين والفارّات من جحيم الحرب. ليس من السودان فقط، بل من إريتريا، أيضا. حيث يضيف ديكارت أنه “يمكن توقّع تفاقم ظاهرة اللّجوء إلى سويسرا”.
وتتميّز الجالية السودانية المقيمة في سويسرا، التي يقارب عدد أفرادها الألف، بكثرة الانقسامات. وهو وضعٌ تأمل الجمعية الخيريّة السودانيّة السويسريّة تغييره.
يقول جبريل حامد، أحد أعضاء هذه الجمعية: “من واجبنا أن نلفت انتباه السكان السويسريين والسويسريّات إلى الكارثة الإنسانية التي حلّت ببلادنا. فعلى الجميع أن يعلم بما يقع فيها من طرد، وتهجير، واغتصاب النساء، وموت الأطفال والطفلات جوعًا. فمازال أمامنا عمل كثير، كالخروج إلى الشوارع، والحديث إلى العموم.” و يقول الواثق الجزولي في السياق نفسه: “لم يكن يشغل المجتمع السودانيّ شيء قبل الحرب، سوى الحياة اليوميّة، أمّا الآن، ها قد جمّعتنا الحرب، وعلينا جميعا، نساء ورجالا، توحيد صفوفنا”.
سويس إنفو :24 يونيو 2024