رئيس التحرير: طه يوسف حسن
Editor-in-chief: Taha Yousif Hassan

عندما ترجلت نائبة رئيس مجلس حقوق الإنسان مندوبة فلندا لدى الأمم المتحدة بجنيف السفيرة هايدي شروديروس فوكس وفريقها العامل من منصة المجلس نحو السفير آلير دينق و أخبرته بأن المجلس و سكرتاريته ينوون تكريمه بإعتباره أكثر السفراء حضوراً و مشاركةً في أعمال مجلس حقوق الإنسان لم يكن الأمر مُستغرباً أو تُرفع له حواجبَ الدهشة، لأن كل من يعرف السفير ألير يعرفُ معنى الإنضباط و الإتقان.

الدبلوماسية كما وصفها «هارولد نيكسون» هي المصداقية والهدوء والصبر والتواضع والأخلاق و اللباقة ، في بداية الآلفية الثانية قررت الخارجية السودانية إختيار الدبلوماسي المثالي تشجيعاً للدبلوماسيين و تحريضاً لهم على الإتقان و الإبداع، رشح السفير أبو القاسم عبدالواحد رحمة الله عليه الدبلوماسي ألير دينق الذي كان يعمل ضمن طاقمه في إدارة القانون الدولي و المعاهدات ، خلُصت لجنة التقييم على قائمة تضمُ ثلاث دبلوماسيين مثاليين بعد الفحص و التقييم هم السفيرة عايدة عبدالمجيد رحمة الله عليها و السفير ألير دينق والسفير محمد عبدالله إدريس سفير السودان الحالي لدى واشنطن و لكن تدخلت جهات نافذة في الوزراة و حالت دون إعلان النتيجة النهائية.

عندما تمخضت نتيجة الإستفتاء بولادة دولة جنوب السودان التي خرجت من رحم ويلات الحرب الأهلية الطاحنة وقتها كان ألير دينق سفيراً و ممثلاً للسودان في دولة إيطاليا حاضراً و شاهداً على الفترة التي تفصل بين طلاق الدولتين، و لكن الأمر المُحزن  في هذا المشهد هو تم إنهاء خدماته بعد نتيجة الإستفتاء مباشرةً دون تمهيد أو تمديد، ليجد نفسه في ليلةٍ وضُحاها مُهاجراً عادياً في إيطاليا.

من دفتر مذكراته الأنيق الذي يجتر الذكريات أخبرنا السفير ألير في جلسةِ أُنس جمعتني به و الخبير في منظمة الصحة العالمية د.صلاح منديل بعد عملية التسليم و التسلم في سفارة السودان في إيطاليا مارس 2011 إتصل به أمير محمود عبدالله الذي كان يعمل حينذاك نائباً لصندوق الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة WFP في روما و أمير سوداني الأب و بريطاني الأم ود بلد قَدَّمَ الأمير عرضاً للسفير ألير للعمل في برنامج الغذاء العالمي بنظام الإستشارات « Consultancies »

و عندما بدأت دولة جنوب السودان الوليدة تَتشكلُ لبى ألير نداء الوطن و ترك خلفه وظيفة أُممية من أجل تأسيس وزارة الخارجية في جنوب السودان رغم العرض المُغري  الذي قدمه له صندوق الغذاء العالمي للعمل في وظيفة أُممية رفيعة المستوى في نيروبي – كينيا،  إختار  ألير تلبية نداء الوطن و تأسيس وزارة الخارجية  في بلده مع زملائه أصحاب الخبرة، أمثال شارلس مانيانق دي أوول ،كوال ألوو و إيزاك شنكوك كنتي رحمة الله عليهما جميعاً ، نَصحهُ صديقه وزير الخارجية السابق السفير إبراهيم طه أيوب بأن يواصل مسيرته في برنامج الغذاء العالمي حتى يستطيع عبرها تقديم المزيد لبلده و لكن الوطنية طغت على الدبلوماسي المحنك حيث إختار تلبية نداء الوطن و العودة إلى جوبا … رغم علمه بتحديات العمل في الدولة الوليدة.

ذهب السفير ألير إلى خارجية دولة جنوب السودان يحمل في حقيبته الدبلوماسية الكثير من الكفاءات و الخبرات الأكاديمية و العملية منها دراسته للقانون في جامعة الخرطوم و بداية مشواره  في سفارة السودان بلاغوس (نيجريا)  و بوخارست (رومانيا) مروراً بجنيف ( سويسر) و  واشنطن ( الولايات المتحدة) وروما ( إيطاليا)  لينتهى به المطاف مرةً أخرى في جنيف مندوباً دائماً لدولة جنوب السودان لدى منظمات الأمم المتحدة و المنظمات الدولية الأخرى و سفيراً لبلاده لدى الإتحاد السويسري.

إجتمعت حزمة خصائص نادرة ميزت الدبلوماسي الأبنوسي بفن الإتقان، يُتقن اللغة العربية بطلاقة حتى تظن أنه تتلمذ على يد إمام النحاة سيبويهِ فعندما يطرق آذانك حديثه العذب لا تظن أنه خريج ثانوية ملكال ،تحسبه خريج معهد أمدرمان العلمي العالي المتخصص أنذاك في النحو و العروض على إيقاع أوزان”الخليل بن أحمد الفراهيدي”  ودراسة ألفية إبن مالك.

لا يجوزُ الإبتداء بالنَكِرة     ما لمْ تَفِدْ كَعنِدَ زيدٍ نَمِرة 

يتحدث الإنجليزية بسلاسة و كأنه يتحدث للجمهور الإنجليزي في مسرحية من مسرحيات الدراما التقليدية االكلاسيكية للنظرية الجمالية للكاتب الإنجليزي شكسبير على المسرح الملكي الوطني في لندن( Royal National Theatre) أو على مسرح “ريد ليون”، يجيدُ العمل الدبلوماسي الثنائي والتمثيل الوطنى والدبلوماسية متعددة الاطراف والعمل في أروقة الأمم المتحدة.

إعتبَر السفير ألير دينق بداية مشواره في الخارجية تزامناً مع الوزير محمد ميرغني مبارك هي من أكثر الفترات ثراءً و نضوجاً و إتقاناً للعمل الدبلوماسي حينما كان الفتى الأبنوسي أنذاك شاباً طموحاً في بداية مشواره يتلمس خطواته و مشواره الدبلوماسي بحرفية و مهنية و إنضباط.

كل هذه الحِزمة من المهارات بمفهوم تشرشل (الدبلوماسية) هي اللباقة التي تستطيع من خلالها أن تقول للناس إذهبوا إلى الجحيم و تجعلهم يسألونك بإبتسامة أين الإتجاهات.

Global Media News

View all posts
arالعربية