طه يوسف حسن
الروايات المؤلمة وصور المعاناة، صرخات الأطفال وآنين النساء ودموع الرجال، لم تكن كافية لتوقظ الضمير الدبلوماسي. فعلى الرغم من الفظائع الإنسانية التي شهدتها الجزيرة و شرقها ، ظلّت الدبلوماسية السودانية صامتة تجاه الدماء التي لطخت أرض الهلالية وأزرق وود النورة وغيرها.
ولكن مذكرة وزير الخارجية علي يوسف إلى السفراء ومندوبي البعثات الدبلوماسية السودانية بالخارج، مُطالبًا إياهم بتسليط الضوء على فظائع الدعم السريع حركت ضميرهم، و بدأت السفارات و البعثات الدبلوماسية بالخارج تتسابق لعقد اللقاءات الصحفية وإدانة وحشية تتر “الدعم السريع”، وكأن ما جرى كان حدثًا طارئًا وليس مأساة مستمرة هذا الحِراك الدبلوماسي المتأخر لا يستحق التصفيق ولا صيحات الإنتصار و إنما هو ( جُهدُ المُقِل).
الهلالية، وما حدث فيها فقط يستدعي ضرورة عقد جلسة خاصة من قبل مجلس حقوق الإنسان، ناهيك عمّا حدث في دارفور و ولاية سنار و الجزيرة ، فالوضع يقتضي من بعثة السودان لدى الأمم المتحدة في جنيف أن تُتطالب بعقدِ جلسةٍ خاصة ، سبق و أن عقد مجلس حقوق الإنسان جلساتٍ خاصة أو طارئة لأحداث مشابهة ، كالأزمة في تيغراي الإثيوبية وأحداث الروهينغا في ميانمار و الوضع في أوكرانيا و تداعيات الإنتخابات في بيلاروسيا.
أضعف الإيمان أن تُطالب بعثة السودان الدائمة في جنيف بإصدار بيان رئاسي Presidential Statement إن لم تخرج الجلسة الطارئة Special Session بمشروع قرار لإدانة تلك الإنتهاكات المُهينة.
عَقد جلسة خاصة يتَطلبُ موافقة 16 دولة من بين 47 دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان، و ما يُعزز موقف السودان عضويته التي يُمكن الاستفادة منها في الحراك الدبلوماسي في أروقة مجلس حقوق الإنسان قبل إنقضاء أجلها العام المقبل و رئاسة مجلس حقوق الإنسان تحت المظلة الإفريقية ، حيث يرأس المجلس هذا العام السفير المغربي عمر زنيبر، هي أيضاً حافزاً لعقد جلسة طارئة ، مسؤولية مجلس حقوق الإنسان وأعضائه تتعاظم تجاه الأحداث المأساوية في السودان، فدماء الشعب السوداني “ليست رخيصة” بهذا القدر.
الوضع الإنساني في شرق الجزيرة يُعد فظيعًا، يتجاوز ما شهدته ولاية (أراكان) في ميانمار و أشدُّ قساوةً من الوضع المأساوي في شمال غزة وجنوب لبنان. مليشيا الدعم السريع لم تكتفِ بوسائل القتل التقليدية، استخدمت وسيلة أخرى وهي تسميم المياه ، مَنْ لم يَمُت ْمقتولاً مات مسموماً.
برغم نزيف الدماء المستمر لا تزال الأمم المتحدة تكتفي ببيانات ملئية بعبارات الشجب والإدانة والقلق، دون أي جدوى، يجب أن ينتبه العالم لمآساة الشعب السوداني دون تمييز ٍأو تسييس أو إزدواجية معايير.