رئيس التحرير: طه يوسف حسن
Editor-in-chief: Taha Yousif Hassan

(المعذبون في الأرض) هنا ليست رواية للأديب المصري طه حسين إنما قصة لواقع عاشه و يعيشه الشعب السوداني خارج السودان وداخله ، السودانيون المرابطون في بيوتهم الذين تمسكوا بأرضهم وديارهم خلال الحرب و لم ينزحوا  طلباً للماء  و الخبز و الشعير ، رغم أنّ بيوتهم تشكوا « قلة الجرذان » و برغم صمودهم و عزّة النفس عانوا الأمرَّين و ذاقوا  أشكال و أنواع العذاب المختلفة من مليشيا الجنجويد التي مارست عليهم جميع أنواع الإنتهاكات التي حرَّمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و حرّمتها الديانات السماوية. 

أما هو لاء الذين فروا من ويلات العذاب و الإنتهاك و إغتصاب حرائرهم  حالهم كحال ( المستجيرُ من الرمضاءِ بالنَّارِ) تركوا بيوتهم وديارهم و (الجَمل بما حَمَل)  لمليشيا الدعم السريع التي استوطنت بيوتهم و استخدمت أغراضهم الخاصة و العامة لم يسلموا من ويلات عذاب الغربة و أهل الجوار، الشعب السوداني المِضياف الذي استضاف أكثر من خمسة مليون أثيوبي و إرتري و إستضاف الصوماليين و اليمينيين و السوريين بلا تأشيرة أخبروهم جميعاً من مطار الخرطوم (هللتم أهلاً و نزلتم سهلاً ) البيت بيتكم و لكن عندما فرّ َ السودانيون من ويلات الحرب ( وضاقت بهم الأرض بما رحُبت )و استعانوا  و استغاثوا بأخوتهم في دول الجوار لم يجدوا الحفاوة و الكرم المتوقع من إخوةٍ لهم ، نعم وجدوا دياراً رحبت بهم  و لم يجدوا ترحيباً من أهل الديار.

أما الديارُ فإنها كديارهم 

و أرى رِجالَ الحيِّ غير رِجالهِ

من سخريات القدر أن يُهان الشعب السوداني في أرضه و خارجها، وأن تُمسح بكرامة هولاء القابضون على الجمر الذين إختاروا المرابطة في بيوتهم  وديارهم (من تَركَ داره قل مِقداره) خلال الحرب” أهينوا إهانة البرامكة في العهد العباسي  بعد أن غضب عليهم هارون الرشيد ( عزيزَ قومٍ ذُل) أذلتهم مليشيا (بلا حدود) آتت من داخل وخارج السودان  لا رادع و لا واعظ لها تسببت جرائمها  في تجييش مشاعر الغضب السوداني تجاهها و تجاه داعميها و مؤيديها  ، هاهي المليشيا تخسر معركتها ضد الجيش و أعوانه ولكنها تُغرق الأحياء و الضواحي بالدماء على طريقة نيرون عندما خسر المعركة في روما ( علّيَ و على أعدائي).

 مصر استضافت عدداً كبير من السودانين ولكن لم تخلوا إقامتهم من بعض القيود و الإشارات التي توحي لهم بأنكم ضيوف مؤقتين، المصريون  ( أبناء النيل) الذين عاشوا في السودان لم يكونوا ضيوف كانوا أهل بيت.

الذاكرة تسترجعيني إلى الوراء حيث معاناة أكثر من 2400 سوداني في شهر مارس الماضي ولا تزال المعاناة مستمرة  في غابات أولا لا في أثيوبيا تم مطاردتهم و تعذيبهم و طردهم من غابة لا تتوفر فيها أدنى سبل الحياة للحيوانات ناهيك عن الإنسان

ردد الدهر حسن سيرتهم ما بها حطة ولا درن

نزحوا لا ليظلموا أحدا لا ولا لاضطهاد من امنوا

 و هكذا الحال في جنوب السودان أخواننا و أبناء عمومتنا في الجنوب عندما إعتدوا على إخوانهم الشماليين بسبب إنتهاكات إرتكبها بعض المارقين عن المألوف من إخوةٍ لهم في الشمال.

أما دعاة الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان في بلاد الغرب ظلوا يستمتعوا بأفلام الرعب التي تجري أحداثها في السودان و يتلذذون بالقتل الجماعي للمزارعين في أرض الجزيرة و رعاة الإبل في البطانة و الإبادة الجماعية في دارفور ولم يحرك ذلك فيهم ساكناً ولكنهم تحركوا عندما إلتَهَمَ  الدُّب الروسي مزارع القمح في أوكرانيا.

أي عالمٌ هذا الذي يستطيع إرسال السفن الفضائية للمريخ بينما لا يفعل شئياً لقتل إنسان في غزة  وفي الفاشر هذا التساؤل العميق يكشف عن مفارقة حضارية لا يمكن إغفالها حيث يُظهر الإنسانُ قُدرة علميه هائلة في توغله في اسرار الكون لكنه يقف صامتاً أمام عذابات بني جنسه لا تحركه إلاَّ المصالح، قِيلَ قديماً إفريقيا هي الموارد والعبث، و “أوروبا هي التي  تُتاجرُ بقضايا حقوق الإنسان “و لإتراها إلاّ في سوريا و العراق و الكونغو و السودان ” 

Global Media News

View all posts
arالعربية