جنيف (11 أبريل 2025)
قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، اليوم إن الأطراف المتحاربة في السودان تشنّهجوماً شاملاً على حقوق الإنسان في ظل تقاعس دولي، ما يتسبب في عواقب كارثية على المدنيين، وذلك مع اقترابالصراع من عامه الثالث.
“مع اتساع نطاق الأعمال العدائية وحدّتها خلال العام الماضي، اقتُلِعَت حياة وآمال الكثير من السودانيين، ووجدواأنفسهم عالقين في مستنقع من الموت والحرمان والمعاناة” قال تورك. وأضاف: ” لا بد أن تمثل سنتان من هذاالصراع الوحشي والعبثي جرس إنذار للأطراف لوضع أسلحتهما جانباً، وللمجتمع الدولي كي يتحرك. يجب ألا يبقىالسودان على هذا المسار المدمر“.
وأشار إلى أن الصراع الدائر ليس مجرد صراع على السلطة، بل يتأثر بشكل كبير بالمصالح الاقتصادية والتجاريةلجهات فاعلة محلية ودولية، لاسيما في قطاعات حيوية مثل الذهب والسلع الزراعية. وقد أصبحت العائداتالمتأتية من التجارة الدولية في ذهب السودان وصمغه العربي ومواشيه عموداً فقرياً لاقتصاد الحرب.
انتشار الأسلحة واستمرار تدفقها، بما في ذلك إلى غرب إقليم دارفور، الخاضع لقرار مجلس الأمن الدولي بحظرالسلاح، يفاقم من حدة القتال، ويُسهم في ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي، ويقوّض جهود السلام. “على جميعالجهات التي تسهّل نقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى دارفور التوقف عن ذلك، تماشيا مع التزاماتها باحترامحظر الأسلحة“، قال المفوض السامي، داعياً إلى توسيع نطاق الحظر ليشمل جميع أنحاء السودان.
وأضاف أن الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع اتسم منذ بدايته بتجاهل تام لقوانينالحرب وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ دأبت الأطراف المتحاربة على استهداف المناطق المأهولة بالسكانوالبنية التحتية المدنية الحيوية، كالمرافق الصحية ومحطات المياه والكهرباء، إلى جانب ارتكاب انتهاكات جسيمةلحقوق الإنسان وعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية.
الهجمات الانتقامية وعمليات القتل بإجراءات موجزة بحق أشخاص يُشتبه في تعاونهم مع الطرف الآخر – وغالباً ماتكون ذات دوافع إثنية – تستمر بلا هوادة، وتتغذى على خطاب الكراهية والتحريض على العنف، خاصة عبر وسائلالتواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، قُتل العشرات بوحشية في الخرطوم أواخر الشهر الماضي، عقب استعادةالقوات المسلحة السودانية السيطرة على المدينة، وذلك على خلفية الاشتباه في تعاونهم مع قوات الدعم السريع. أما في شمال وغرب دارفور، فقد وثّق مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان هجمات استهدفت قرى بعينهاشنّتها قوات الدعم السريع، استناداً إلى الخلفية الإثنية لسكانها.
ولا تزال ظاهرة العنف الجنسي منتشرة في جميع أنحاء السودان، إذ تعرّضت نساء وفتيات منذ بداية الصراعلعمليات اغتصاب واغتصاب جماعي، واستغلال جنسي، واختطاف لأغراض جنسية على نطاق واسع.
كما تشهد المناطق المتأثرة بالنزاع في مختلف أنحاء السودان انتشاراً واسعاً لحالات التعذيب وسوء المعاملة، إلىجانب الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري. وتشهد البلاد أيضاً تصاعداً في التهديدات والمضايقات وأعمال الترهيبضد أفراد المجتمع المدني، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان، والصحافيون، والمتطوعون المحليون فيالمجال الإنساني، مما يحد من مساحة العمل المدني ويُعيق حرية تدفق المعلومات.
وقد أدى الصراع إلى أزمة إنسانية ونزوح غير مسبوقين، تسببا في تدمير حياة الناس وسبل عيشهم. فقد نزح ما لايقل عن 12.6 مليون شخص بينما يواجه نحو 24.6 مليون شخص انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، في حين لا يزالنحو 17 مليون طفل خارج المدارس.
وقال تورك: “في ظل التقييد الشديد على حقوق الناس في الغذاء والماء والصحة والسكن والتعليم، فإن الصراعالوحشي في السودان لا يدمّر حاضر السودان فحسب، بل يقوّض أيضًا مستقبله“. وأضاف: “وكلما طال أمده، ازدادتصعوبة التعافي.”
الذكرى الثانية لاندلاع الحرب تحل في ظل تزايد المخاوف بشأن سلامة المدنيين في مدينة الفاشر ومحيطها بولايةشمال دارفور، حيث شددت قوات الدعم السريع حصارها الممتد منذ فترة طويلة، وسط مخاوف من هجوم وشيك. كما تتزايد الخشية من تصاعد الأعمال العدائية وامتدادها إلى مناطق جديدة، بما في ذلك كردفان، والنيل الأزرق،والولاية الشمالية.
“يجب ألا ننسى شعب السودان، ولا آمالَه وتطلعاتِه نحو السلام والعدالة والمساواة“، قال المفوض السامي.
“من الضروري للغاية ضمان احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ومحاسبة المسؤولينعن الانتهاكات الواسعة النطاق التي وقعت خلال العامين الماضيين. يجب أن يتوقف القتال. نحتاج لانطلاق عمليةشاملة تعزز التماسك الاجتماعي وتعالج الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك الإفلات المزمن من العقاب“، قالتورك.